ماذا بقي من إرث بنزكري؟

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]


مرت يوم 21 ماي الذكرى الخامسة على رحيل إدريس بنزكري رئيس “هيئة
الانصاف والمصالحة” دون أن يذكر ذكراه أي أحد، حتى أقرب رفاقه ممن ما زالوا
يستفيدون من “الريع” السياسي الذي فتح بابه الواسع أمامهم. ومع مرور الوقت
يتضح أن السلطة كانت فقط تبحث عن أحد رموز اليسار السابق لتحوله إلى مسيح
يكفر عنها أخطائها لتلميع صورتها أمام مرآتها النرجسية. وقد نجحت من خلال
آلتها الإعلامية إيهام الناس بأنه مع صلب المسيح ستنتهي رحلة الألآم
والأحزان.. فهل انتهت؟

رحل بنزكري عن دنيا الألآم والأحزان، وخلف ورائه مآسي ابشع من تلك التي
عايشها هو ورفاقه طيلة سنوات الرصاص. فالتعذيب مازال مستمرا داخل الزنازن
القانونية، والأقبية السرية، والاختطاف والاعتقال التعسفي أصبح عملة رائجة
يتم تصريفها بلي عنق الكلمات، وتأويل النصوص، والتحايل على القوانين، وصرف
الأنظار عنها بإصدار البيانات والبيانات المضادة.

رحل بنزكري ومازال الجلادون في اماكنهم، يصدرون أوامرهم بالنسبة لمن
مازالوا في نفس مراكز سلطتهم، أو يتلذذون بتقاعدهم المريح بعدما راكموه من
ثروة من عرق ودماء نزيف الشعب الذي لم يتوقف… رحل بنزكري، وتحولت توصيات
هيئته إلى مجرد صكوك غفران في يد السلطة تتمسح بها في كل مرة يسقط القناع
عن وجهها قبل ان تعيد إخفاء ملامحه البشعة.

كان خطأ بنزكري، الذي ذهب الغلو بنفاق بعض رفاقه له إلى ان شبهوه
بـ”غاندي المغرب”، عندما وثق في نوايا السلطة وصدق توبتها، وأصدر لها صكوك
غفرانها من دون أن تعتذر لضحاياها. وعكس غاندي الذي كان يقول بان “السعي
للحق لن يحاكم في كهف، فالصمت لا معنى له حيث يجب الكلام”، صمت بنزكري
عندما كان يجب أن يصدح عاليا بالحق، وتركهم يهربون الحقيقة داخل دهاليز كهف
السلطة الغارق في الظلام…

كان أكبر خطأ ارتكبه بنزكري، الذي عرف بقوة شكيمته وصلابة عوده سنوات
سجنه الطويلة، هو تنازله للسلطة عن كلمة “حقيقة” التي حملها المنتدى الذي
أسسه هو ورفاقه من آلامهم وظلمهم تحت اسم “منتدى الحقيقة والانصاف”، ومثل
وافد جديد على عالم “مستنقع السياسة” قبل مقايضة كلمة “حقيقة”، بكلمة
“المصالحة”، وضحى بـ “الانصاف” عندما قبل السماح بالإفلات من العقاب
للجلادين وحماتهم.

أراد بنزكري أن يبنى مصالحة مع الجلادين بدون مسائلتهم، وكان ذلك اكبر
الأخطاء القاتلة في تجربته التي يجب تأملها اليوم كشكل من اشكال فشل تجارب
العدالة الانتقالية، حولها بعض سماسرة “الريع النضالي” بتزكية من السلطة
ومباركة منها إلى “سجل تجاري” للمقايضة والمزايدة والمتاجرة والوصولية
والانتهازية السياسية العابرة للحدود…

لذلك، فعندما نقرا اليوم بأن المغرب يريد نقل تجربته في “العدالة
الانتقالية”، إلى تونس أوليبيا، فإن الشفقة يجب ان تذهب إلى الشعب المغربي
الذي مازال البعض، ومع الأسف من بينهم رفاق بنزكري، يستغلون مأساته
للمتاجرة بها وتصريفها إلى مواقع داخل احزاب السلطة ومناصب في أجهزة الدولة
ومؤسساتها، أو فقط إلى بنود للتنقل وتذاكر للسفر وإقامات في فنادق
فخمة…أما الشعوب الأخرى التي عرفت كيف تسترد إرادتها بنفسها فلن تلتفت إلى
تجربة مازالت تعيد تكرار سنوات الذل والهوان، وأكثر من ذلك تذكر بخذلان
الرفاق ومكر السلطة وغذر الزمان..