أزقة مدينة خنيفرة تحولت إلى شرايين تضخ أفواجا بشرية نحو منزل أيقونة الأغنية المغربية

شيعت خنيفرة، يوم (الأربعاء)، ابنها البار محمد رويشة الذي عاد
إليها قبل أيام إثر الوعكة الصحية التي ألمت به، وكأن الموت أمهله فرصة
مغادرة العاصمة الرباط، التي كان يرقد بأحد مستشفياتها قبل أسابيع، ليعود
إلى مدينته الأثيرة التي عشقها حد الثمالة، وتفيض روحه هناك، لتعانق
سماءها التي طالما ملأ ناظريه منها واستدرّها وحيا فنيا.
وعاشت خنيفرة، صباح أمس (الأربعاء)، يوما استثنائيا بكل المقاييس، وهي
تودع ابنها الذي ارتبط اسمه بها، وخلدها في العديد من أغانيه، إذ استحالت
جل أزقة وممرات المدينة إلى شرايين تضخ الأفواج البشرية، التي حجت منذ
ساعات الصباح الأولى، نحو منزل الفنان محمد رويشة، لإلقاء النظرة الأخيرة
عليه، ومواساة أسرته التي ذابت وسط المشيعين الذين بكوا بحرقة، فصار من
الصعب تمييز أفرادها من بينهم، إذ صارت خنيفرة بكل «بسطائها» و«علية
قومها» أسرة واحدة لابن وأب وأخ اسمه محمد رويشة. الفنان المغربي الذي عاد
إلى مسقط رأسه، بعد أن شارف على الموت قبل أسابيع، وبعد أن عجز قلبه
العليل عن مقاومة الضعف الذي دب إليه، اعتقد الجميع أنه تجاوز مرحلة
الخطر، وأن عمرا جديدا كتب له، لكن الأمر كان يتعلق بـ «صحوة موت» و«غفوة
حياة» خدعت الجميع، ولعله رويشة وحده من كان يدرك حقيقتهما، فاستعد لهما،
صباح وفاته، بكل ما يسلتزم الأمر من زينة، بما فيها أخذ حمام ساخن وحلق
الذقن، استعدادا لملاقاة الموت ساعة الظهيرة، وعلى حين بغتة وسط ذهول
الجميع.
بيت
الفنان محمد رويشة بحي القروية بخنيفرة، والذي كان في ما قبل «زاوية»
يقصدها كل من أراد لقاء الفنان المتواضع أخلاقا والجبار فنا، استحال صباح
أمس (الأربعاء)، إلى قبلة قصدها كل من توقدت في قلبه شعلة من عشق هذا
الفنان الذي استطاع بأخلاقه وفنه الرفيعين، توحيد المشاعر حوله، واستدرار
الدمع من مآقي كل واقف وسط مأتم رهيب الذي أحاط بـ «زاوية رويشة»، وحناجر
الرجال والنساء والأطفال، على حد سواء، تلهج بصوت واحد «هاذي ساعة من
ساعات الله»، في انتظار خروج الجسد المسجى، من محل إقامته «المؤقتة» إلى
محل الإقامة «الدائم» بمقبرة «سيدي بوتزكاغت» قرب مرقد والدته «للا عائشة»
التي ارتبط بها وجدانيا في الحياة، وآبى إلا أن يدفن بجانبها بعد الموت،
بناء على وصيته الأخيرة.
حوالي الساعة الثانية عشرة زوالا، أخرج
المشيعون جثمان الفنان محمد رويشة من منزله الكائن بزنقة «القروية»، خلال
تلك اللحظة الرهيبة و«العصية على الوصف»، علا صوت النحيب الرجالي الممزوج
بنواح نساء الأطلس ذي النبرة الحزينة، وكأن هذه النبرة كانت قدر محمد
رويشة، وهو يبثها إلى عشاقه عبر آلة «لوتار» وصوته الأجش المفعم بالشجن
لتلازمه إلى مثواه الأخير.
اتجه الموكب الجنائزي نحو المسجد الأعظم
لمدينة خنيفرة، حيث أقيمت صلاة الجنازة على جثمان الراحل رويشة، بحضور
محمد الأمين الصبيحي، وزير الثقافة، وشخصيات سياسية منها سعيد أمسكان، عضو
المكتب السياسي للحركة الشعبية، إضافة إلى ممثلي السلطات المحلية
بالإقليم، مع حضور محتشم للوجوه الفنية باستثناء الفنان الشعبي عبد الله
الداودي وحادة أوعكي اللذين أبيا إلا أن يحضرا جنازة أيقونة الأغنية
الأمازيغية والمغربية على أمل التحاق فنانين آخرين.